يمثل الإعلام الوطني اليوم حجر الزاوية في بناء المجتمعات الحديثة، ليس فقط كمنصة لنقل الأخبار، بل كشريك أساسي وفاعل في عملية التنمية الشاملة وصناعة الوعي الجمعي. في ظل التحديات المتجددة التي تفرضها العولمة والتكنولوجيا، تبرز الحاجة المُلحة إلى “خارطة طريق” واضحة المعالم، ترسم مسارًا نحو إعلام أكثر فاعلية وتأثيرًا، قادرًا على مواكبة المتغيرات السريعة ومواجهة الأزمات بكفاءة.
هذا المسار لا يقتصر على تطوير المؤسسات الرسمية فحسب، بل يمتد ليشمل كل منصة إعلامية، من القنوات التقليدية والمطبوعات إلى الفضاء الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي يهدف هذا التوجه نحو التحديث إلى إثراء الحوار العام، وتعزيز كرامة المواطن، وترسيخ القيم المجتمعية الأصيلة، بما يخدم رؤية وطنية موحدة تتطلع إلى مستقبل أفضل. إن الفهم الحديث للإعلام الوطني يختلف جذريًا عن المفاهيم التقليدية التي كانت تراه مجرد وسيلة للتوجيه المباشر أو الترويج لأجندات معينة. الإعلام الوطني الفاعل هو الذي يتبنى خطابًا جديدًا، إيجابيًا ومنفتحًا، يمتلك القدرة على صناعة الأفكار وبناء جسور التواصل مع الجمهور، بدلاً من مجرد نقلها بشكل أحادي.
هذا الدور يتطلب من الإعلاميين أن يكونوا على وعي كامل بالتحديات التي يواجهها المجتمع، سواء كانت اقتصادية، اجتماعية أو ثقافية كما يتوجب عليهم امتلاك أدوات التحليل والنقد البناء لتقديم محتوى عميق، غني بالمعلومات وموثوق، بعيدًا عن السطحية والإثارة التي قد تضر بالوعي الجمعي يجب أن يكون الإعلام منارةً للتنوير، ومساحةً للحوار المفتوح الذي يتيح لجميع الأطراف التعبير عن آرائها بحرية ومسؤولية دوره لا يقتصر على إيصال صوت الحكومة إلى الشعب، بل يشمل أيضًا إيصال صوت الشعب إلى المسؤولين، مما يخلق تفاعلاً متبادلاً يضمن أن يكون الإعلام انعكاسًا حقيقيًا للواقع، وقادرًا على المساهمة في إيجاد حلول للتحديات لتحقيق هذه الرؤية الطموحة، لا بد من تبني استراتيجية إعلامية شاملة ترتكز على عدة محاور أساسية، أولها جودة المحتوى يجب أن يركز الإعلام على إنتاج محتوى هادف، يعالج قضايا المجتمع بجرأة وموضوعية، ويقدم معلومات دقيقة وموثوقة بعيدًا عن الشويهات الإعلامية. فالمحتوى هو العمود الفقري لأي وسيلة إعلامية، وكلما كان المحتوى قويًا ومتنوعًا، زادت مصداقية القناة وتأثيرها.
ثانياً، يجب الاستثمار في الكفاءات الإعلامية، حيث أن تدريب وتأهيل الإعلاميين يمثل ضرورة ملحة. فالعاملون في هذا القطاع هم رأس المال الحقيقي الذي يصنع التغيير، وتزويدهم بالمهارات اللازمة، سواء في الجانب التقني أو في جانب المعرفة العميقة، يضمن تقديم خدمة إعلامية عالية الجودة.
ثالثاً، يجب أن تكون هناك قنوات فعالة لمشاركة الجمهور، وإدماج آرائهم ومقترحاتهم في العملية الإعلامية، مما يعزز من الشعور بالملكية المشتركة للإعلام. هذا التفاعل مع الجمهور يمكن أن يتم عبر استطلاعات الرأي، أو عبر برامج تفاعلية، أو من خلال منصات رقمية تتيح للجمهور إبداء آرائهم بحرية. علاوة على ذلك، يجب أن يتبنى الإعلام الوطني سياسة واضحة في مواجهة الشائعات والأخبار الكاذبة التي تنتشر بسرعة فائقة في الفضاء الرقمي دوره هنا هو دور محوري في التحقق من المعلومات وتفنيد الأكاذيب، مما يحمي المجتمع من حالة الفوضى والاضطراب.
يجب أن يكون الإعلام الوطني مصدرًا للمعلومات الدقيقة والموثوقة، وأن يعمل بجدية على بناء ثقة الجمهور، فالثقة هي أساس العلاقة بين الإعلام والجمهور كما يجب على الإعلام الوطني أن يعزز من قيم التسامح والاعتدال، وأن يساهم في بناء ثقافة مجتمعية قائمة على الحوار وقبول الآخر، بدلاً من بث الكراهية والتعصب دوره هنا هو دور تثقيفي وتوعوي، يساهم في بناء جيل جديد من الشباب الواعي والمثقف، القادر على التفكير النقدي واتخاذ قرارات صائبة.
في الختام، يظل الإعلام الوطني دعامة أساسية في أي مسيرة تنموية. إنه الأداة التي يمكن أن تبني الوعي، وتعزز الهوية، وتدعم التلاحم المجتمعي ولكن هذا الدور لا يتحقق إلا من خلال التزام مستمر بتطوير الأداء، وتجديد الخطاب، والعمل وفق “خارطة طريق” واضحة، تهدف إلى بناء إعلام مسؤول، مؤثر، ومستدام. إعلام يستطيع أن يواكب التغيرات العالمية، وأن يحافظ في الوقت نفسه على خصوصية المجتمع وقيمه إعلام يجمع ولا يفرق، يبني ولا يهدم، وينير العقول بدلاً من أن يضللها إنه مشروع وطني بامتياز يتطلب تكاتف جميع الجهود، من الحكومات إلى المؤسسات الإعلامية وصولاً إلى الجمهور، من أجل تحقيق رؤية إعلامية تخدم الوطن والمواطن.