تُظهر المرأة العربية في الكثير من الحالات تناقضاً واضحاً: فهي ترفض بشكل قاطع أن يتزوج زوجها من أخرى زواجاً معلناً، بينما قد تغض الطرف ـ أحياناً ـ عن وجود علاقة خفية في حياته. هذا التناقض ليس دليلاً على ضعف أو تناقض شخصيتها بقدر ما هو انعكاس لشبكة معقدة من الضغوط الاجتماعية والنفسية والثقافية التي تُحاصر المرأة في مجتمعاتنا.
اولاً/ البعد الاجتماعي: “الفضيحة قبل الخيانة”
المجتمع العربي يحمّل المرأة مسؤولية “سمعة” أسرتها وزوجها. زواج الرجل من أخرى علناً يعني فضيحة اجتماعية، وجرح مباشر لصورة الزوجة الأولى أمام الأهل والجيران والأصدقاء. أما العلاقة السرية، فهي رغم قسوتها، تظل في إطار “ما وراء الأبواب المغلقة”، فلا تُعرّض المرأة للهوان العلني ولا لشفقة الآخرين. هنا تصبح معادلة الألم مرتبطة بمقدار ما يُرى ويُعلن، لا بما يُفعل فقط.
ثانياً/ البعد النفسي: “الألم من المقارنة المباشرة”
الزواج العلني يعني وجود “امرأة منافسة” معترف بها قانونياً وشرعياً، تأخذ مكانة مساوية للزوجة الأولى، وربما تحظى بإنجاب أطفال ونيل حقوق واضحة. هذا يهدد إحساس المرأة بمكانتها الفريدة، ويخلق شعوراً جارحاً بأنها أصبحت مجرد “واحدة من اثنتين”. أما العلاقة السرية، فهي في اللاوعي أقل تهديداً لأنها تظل هامشية، غير معترف بها رسمياً، ويمكن للمرأة أن تقنع نفسها بأنها “نزوة” أو “مرحلة وستنتهي”.
ثالثاً/ البعد الثقافي: “الزواج مؤسسة والعلاقة نزوة”
المرأة العربية ترى الزواج كياناً مقدساً منظماً بالشرع والعُرف، ولذلك دخول امرأة أخرى فيه هو اقتحام مباشر على بيتها وحياتها. بينما العلاقة غير الرسمية تُترجم ثقافياً كضعف من الرجل أو نزوة عابرة، يمكن احتمالها أو التعايش معها. بمعنى آخر: الزواج الثاني يُهدد المؤسسة ذاتها، أما العلاقة الخفية فهي تظل تهديداً لشخص الرجل أكثر من تهديدها للأسرة.
رابعاً/ البعد الأنثوي: “الغيرة بين الكرامة والرغبة في البقاء”
المرأة بطبيعتها لا تحتمل المشاركة في الحب المعلن، فالغيرة هنا تتحول إلى جرح في الكرامة. لكن في الوقت ذاته، كثير من النساء يفضلن التمسك بالزواج رغم معرفتهن بعلاقات خفية، لأن الطلاق أو المواجهة قد يعني خسارة البيت أو الاستقرار أو المكانة الاجتماعية. بالتالي القبول الضمني بالعلاقة السرية هو في جانب منه “تنازل تكتيكي” للحفاظ على ما هو أكبر بالنسبة لها: البيت والأولاد والهوية كزوجة.
خامساً/ تناقضات الحداثة والواقع
اليوم، ومع تغير أنماط الحياة، لم تعد المرأة العربية تقبل بسهولة لا بالزواج الثاني ولا حتى بالعلاقات السرية، لكن التناقض ما زال قائماً. والسبب أن المجتمعات العربية تعاقب المرأة إذا رفضت أو تمردت أكثر مما تعاقب الرجل إذا خان أو تزوج. وهنا يظهر أن المشكلة ليست في “سيكولوجية المرأة” وحدها، بل في “البنية الثقافية” التي تجعلها عالقة بين خيارين مُرّين:
• قبول السر حفاظاً على الواجهة.
• رفض العلن حفاظاً على الكرامة.
آخراً وليس آخر ؛
رفض المرأة العربية للزواج الثاني، مقابل سكوتها أحياناً عن العلاقات السرية، ليس نفاقاً ولا تناقضاً سطحياً، بل هو نتاج شبكة ضغوط نفسية واجتماعية. هي تقاوم ما يهدد كيانها العلني ومكانتها الاجتماعية، لكنها قد تتسامح ـ مرغمة ـ مع ما يحدث في الظل حفاظاً على بقائها واستقرار أسرتها. إنها معركة بين “الكرامة الفردية” و”النجاة الاجتماعية”، والمرأة غالباً تختار ما يجعلها أقل خسارة أمام مجتمع لا يرحم.