الدروس الخصوصية ظاهرة صنعتها بعض الأسر واستغلها بعض المعلمين ويعاني منها جموع المصريين وقد أصبحت الدروس الخصوصية، ظاهرة تلتهم أحلام الأسر فبين جدران المنازل المصرية، هناك معركة صامتة تستنزف موارد الأسر وترهق عقول الأبناء، معركة اسمها الدروس الخصوصية وقد تحولت هذه الظاهرة إلى وباء اجتماعي-تعليمي وليس مجرد وسيلة مساعدة عابرة، وأصبحت بالفعل تهدد كيان الأسرة المصرية وتعمق الفوارق الطبقية، بل وتثير تساؤلات بشأن جدوى المدرسة ذاتها.
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا أصبحت الدروس الخصوصية “بديلًا” عن المدرسة وليس “مكملًا” لدورها؟
هناك العديد من الأسباب التي جعلت من الدروس الخصوصية الخيار الأول لمعظم الطلاب وأولياء الأمور ومنها على سبيل المثال: ضعف ثقة الطالب وولي الأمر في المدرسة: وهناك عوامل عديدة أدت إلى إضعاف هذه الثقة منها الكثافات الطلابية المرتفعة في الفصول، ووجود مناهج تقليدية لا تراعي الفروق الفردية بين الطلاب , وطرق تدريس غير قادرة على استثارة انتباه الطلاب, والعجز في أعداد المعلمين ونقص التدريب لبعض المدرسين.
وجود فجوة كبيرة بين ما يدرسه الطالب بالفعل داخل المدرسة وما يتم تقييمه فيه في نهاية العام: حيث كان السائد سابقا قبل البدء في إجراءات التطوير أن طرق التقييم في الامتحانات الرسمية دائمًا قد لا تتماشى مع ما يقدم داخل الفصل المدرسي، مما يخلق لدى الطلاب حاجة “تعويضية”.
تحول بعض المدرسين إلى ثقافة السوق والعمل الخاص المرتبط بمهنته “تاجر تعليم”: وذلك من خلال استغلال بعض المدرسين لحاجة الطلاب، وتحويل الدروس الخصوصية إلى تجارة و مصدر دخل رئيسي، وفي أحيان كثيرة يضطرهم ذلك إلى الإخلال بواجباتهم داخل المدرسة ومن ثم تعميق الفجوة ومزيد من إضعاف الثقة بين الطالب والمدرسة.
هذا بالإضافة إلى انتشار ثقافات سلبية مثل ثقافة كليات القمة و ما تسببه من قلق مجتمعي: حيث يعد الحصول على مجموع مرتفع هو الوسيلة الوحيدة لدى كثير من الطلاب وأولياء الأمور لتأمين المستقبل.
هذا بالإضافة إلى بعض الأسباب الاجتماعية الأخرى كالمقارنة والمنافسة الشديدة بين الأسر والاستعراض الاجتماعي والتفاخر وعدم وعي الأسر بما يجب أن يقدموه فعلا لأبنائهم, وغير ذلك كثير.
أما عن مخاطر الدروس الخصوصية فتشمل، التهام جزء كبير من موارد الأسرة لاسيما إذا كانت الأسرة من محدودي الدخل ولديها عدد من الطلاب في مراحل التعليم المختلفة.
بالإضافة إلى هذه الضغوط المالية فإن هنالك ضغوطا نفسية واجتماعية أيضا تعاني منها الأسر ويعاني منها الطلاب حيث يكونون مضطرين للمسايرة الاجتماعية من ناحية وحتى يحافظوا على مكانة معتدلة نسبيا عند المقارنة , ومن ناحية أخرى فإن الطالب يكون منغمسا في عدد كبير من الدروس في ساعات مختلفة وهو ما يجعله يشعر بمعاناة كبيرة وضياع للمجهود وإرهاق نفسي وجسدي كبير.
وبالإضافة إلى ما سبق فإن قيمة المدرسة وقيمة المعلم تتراجع وتزداد الفجوة وتنعدم الثقة بين الطالب والمدرسة إلى حد كبير وينشأ نتيجة لذلك السلوك السلبي داخل المدرسة بكل أنواعه والذي يشمل العنف الموجه نحو المعلمين ونحو الطلاب بعضهم البعض.
ونتيجة لأن الطالب لم يحصل معلومات من المدرسة فإنه يرفض لا شعوريا أن تقيمه هذه المدرسة وبالتالي يرى في قرارة نفسه أن الغش حق له وأنه ليس عملا قبيحا وذلك لشعوره الداخلي بتقصير المدرسة ومن ثم فإن الدروس الخصوصية هي البوابة للغش ولأي مشكلات تعليمية أخرى.
كما أن التعليم في الدروس الخصوصية يعمل على خلاف ما تعتمده وزارة التربية والتعليم ولا يهتم ببناء شخصية الطالب بشكل متكامل وإنما يهتم بالمعلومات فقط وتقديمها بشكل غير مناسب في كثير من الأحيان حيث إن المهم هو حفظها بأي طريقة وهنا يكمن الخطر حيث إن منظومة القيم تكون مهددة في كثير من الأحيان فضلا عن أن بعض الدروس تكون نواة لنشر الفكر المتطرف في غياب الرقابة والتوجيه.
والآن ما الحل وهل يمكن فعلا مواجهة الدروس الخصوصية والقضاء عليها؟
لعل ما ذكرته في العنوان قد يحمل مفتاح الحل فإن منع الدروس الخصوصية نهائيا لن يكون سهلا ولكن يمكن اللجوء إلى البدائل والتي تعمل كأمصال تحد من قدرة الدروس الخصوصية على السيطرة وتضعف مكانتها ومن ثم تتلاشى مع مرور الوقت.
فماذا لو علمنا أولادنا استخدام الذكاء الاصطناعي في المذاكرة ؟ وماذا لو كانت منصات التعليم الرقمي الخاصة بالوزارة مدعومة بالذكاء الاصطناعي؟ وماذا لو تم استخدام الذكاء الاصطناعي رسميا في التدريس؟.
أعتقد أن هذا سيوفر مناعة قوية للطلاب في مواجهة الدروس الخصوصية فالطلاب يحبون الوسائط الرقمية فضلا عن أن الذكاء الاصطناعي يمتلك من الإمكانيات والدقة والتنوع ومن عناصر الجذب أيضا ما يبهر به الطلاب ويتحدى به قدراتهم وبإمكانه أن يقدم الكثير والكثير للطلاب بدون أن يتحملوا الأعباء المالية الكبيرة التي ينفقونها في الدروس الخصوصية وبدون حتى الخروج من المنزل وتضييع الوقت وبإمكانه أن يقدم تعليما وتقييما يتوافق مع القدرات المختلفة للطلاب وأن يساعدهم على معرفة نقاط ضعفهم بدقة ونقاط قوتهم وأن يعطيهم صورة صادقة بلا تجميل أو مبالغات عن قدرتهم وأدائهم وسيجدونه خير رفيق يساعدهم ويرشدهم ويوجههم وسوف يكون هو الخيار الأول بالنسبة لهم متجاوزين بذلك كل سلبيات الدروس الخصوصية التقليدية.