في لحظةٍ يراقب فيها العالم أنفاسه، دوما ما تثبت مصر أن صوتها لا يختفي عند المحطات الحرجة، لتبقى مصر وحدها الصوت العاقل الذي يعلو فوق الضجيج. فلم تكن “حكاية الوسيط” هو مجرد دور دبلوماسي روتيني؛ بل كانت ولا زالت عامل التوازن الذي يحافظ على أمن المنطقة ويحمي آمال ملايين المدنيين. النجاح الأخير في دفع مسار التفاوض بين إسرائيل وحماس نحو مرحلته الأولى من وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى يؤكد مرة أخرى أن لا شيء يمرّ بسلام إلا إذا كانت مصر فيه حضورها الفاعل.فمنذ اللحظة الأولى للأزمة، تحركت القاهرة بخطى ثابتة وواثقة، لتدير المشهد من خلف الكواليس، وتفتح قنوات الحوار حين أُغلقت كل الأبواب.
فمن القاهرة إلى شرم الشيخ، عملت الكتيبة الدبلوماسية المصرية على مدار سنوات لتجهيز قنوات اتصال وثقةٍ بين أطراف متخاصمة؛ قنواتٌ تتكوّن من مواقف تاريخيّة مشرفة، ومصالح جيوسياسية، وعلاقات إنسانية عميقة.
مصر لم تتعامل مع المفاوضات كقضية إعلانية، بل كواجب تاريخي واستراتيجي، حماية للسلم الإقليمي، وتسهيلاً لدخول المساعدات الإنسانية، وضماناً لرعاية ترتيبات قد تحدّ من تكرار الكارثة.
فالقاهرة تعرف تماما أن السلام الحقيقي لا يُفرض بالقوة، بل يُبنى على أرضية من العدالة والتفاهم والإنسانية. لهذا، لم يكن هدفها مجرد تهدئة مؤقتة أو اتفاق هش، بل إنقاذ الأرواح، وتثبيت الهدوء، ووضع أسسٍ لحياةٍ آمنة للفلسطينيين.
مصر لا تبحث عن مجدٍ إعلامي، ولا تسعى إلى تصفيق اللحظة، لأنها ببساطة صانعة المجد الأصلي، فهي الدولة التي تعرف متى تتكلم ومتى تصمت، متى تمد يدها ومتى تُشهر موقفها، هي التي اختارت أن تكون ضمير الأمة لا صدى لصوت أحد.
قد تختلف العواصم، وقد تتباين المصالح، لكن عندما تُذكر كلمة “استقرار” في الشرق الأوسط،فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان هو القاهرة.. المدينة التي حملت همّ العرب منذ فجر التاريخ، وما زالت حتى اليوم تُدير معارك الدبلوماسية بحكمة الفراعنة وصلابة الجندي المصري.
مصر لا تتحدث كثيرًا، لكنها حين تتكلم تصمت البنادق، لأن كلمتها لا تُقال عبثًا، بل تُقال حين تكون هي «كلمة السر» التي تُفتح بها أبواب الأمل.