صرّح الدكتور محمد راشد، عضو غرفة صناعة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية، وعضو غرفة التطوير العقاري بالاتحاد الأفرو آسيوي، وعضو أمانة الإسكان والتنمية العمرانية المركزية بحزب الجبهة الوطنية، بأن جزءًا كبيرًا من التحديات التمويلية التي تواجه شركات التطوير العقاري في مصر لا يرتبط فقط بنقص السيولة، وإنما بضعف الملاءة المالية في الأساس، مؤكدًا أن الفرق بين المفهومين هو ما يحدد قدرة أي مطور على الاستمرار والنمو داخل السوق.
السيولة قد تنقذك مؤقتًا.. لكن الملاءة تبقيك في السوق
وأوضح راشد، في تصريحات خاصة لـ”نيوز مصر” أن نقص السيولة يمثل تحديًا مرحليًا، بينما ضعف الملاءة المالية هو خطر هيكلي يهدد بقاء الشركات على المدى الطويل، لأن السيولة تُستخدم لتغطية العجز اللحظي، في حين تمثل الملاءة القوة الحقيقية التي تُمكّن الشركة من الوفاء بالتزاماتها، وتحمل تقلبات السوق، ومواصلة التطوير دون توقف.
وأضاف راشد، أن الكثير من الشركات الجديدة في السوق المصري تركز على تدفقات النقد السريعة دون بناء قاعدة أصولية قوية، مما يجعلها عرضة للاختناق المالي بمجرد تباطؤ حركة المبيعات أو ارتفاع تكاليف التنفيذ.
نموذج التمويل العقاري بحاجة إلى تصحيح
وأشار راشد، إلى أن النموذج المالي الأصح هو الذي يوازن بين السيولة والملاءة، بحيث تكون الملاءة المالية هي القاعدة الصلبة التي تُبنى عليها حركة التمويل والتوسع، لأن السيولة وحدها لا تصنع استدامة، بينما الملاءة القوية تفتح للشركات أبواب التمويل البنكي والمستثمري بشكل مستمر.
وذكر راشد، إن السوق المصري بحاجة إلى إعادة تصحيح آليات التمويل داخل القطاع العقاري، بحيث يتم تقييم الشركات وفقًا لسلامة مراكزها المالية وليس فقط لحجم تدفقاتها النقدية أو حملاتها البيعية المؤقتة.
خارطة طريق لإدارة الأزمة من الداخل
واستعرض راشد، عددًا من الخطوات العملية التي يجب أن تتبناها الشركات العقارية لمواجهة هذا التحدي، من بينها إعادة هيكلة الأصول والخصوم داخل الميزانية لتعزيز التوازن المالي وتحسين مركز الشركة الائتماني، و زيادة رأس المال المدفوع أو إدخال شركاء استراتيجيين يمتلكون قدرة مالية حقيقية، و تنويع مصادر الدخل عبر تطوير نماذج للإيجار وإدارة الأصول والمشروعات المشتركة، بما يخفف الضغط على المبيعات، وكذلك تفعيل نظم إدارة التدفقات النقدية بشكل أكثر علمية، قائم على التنبؤ المالي والتخطيط الدوري، لضمان استدامة السيولة التشغيلية دون الإضرار بالملاءة.
تمويل ذكي وليس تمويلًا سريعًا
وشدّد راشد، على أن السوق بحاجة إلى أدوات تمويل طويلة الأجل تُراعي استدامة الشركات، مثل الصناديق العقارية متعددة الإصدارات، وسندات التوريق العقاري، والشراكات مع الصناديق الاستثمارية المحلية والسيادية، مؤكدًا أن هذه الأدوات تمثل مستقبل التمويل في قطاع التطوير العقاري المصري.
وإستكمل راشد، أن إدراج الشركات العقارية في البورصة، وتوسيع نطاق أدوات الدين والتمويل المهيكل، يُعد من أهم الحلول العملية التي يمكن أن تُعيد الانضباط المالي للسوق وتوفّر مصادر تمويل مستمرة بعيدًا عن الضغط البنكي المباشر.
دور الدولة والتحالفات في دعم الكيانات القوية
ولفت راشد، إلي أن الدولة المصرية قطعت شوطًا مهمًا في تنظيم القطاع من خلال تشريعات وتيسيرات جديدة، لكن المرحلة القادمة تتطلب دعمًا أكبر لتكوين كيانات قوية ذات ملاءة مالية مرتفعة، عبر تشجيع عمليات الدمج والتحالفات بين الشركات المتوسطة والصغيرة لتكوين مؤسسات قادرة على المنافسة والبقاء.
وأكد راشد، علي أن السوق المصري بات بحاجة إلى تصنيف الشركات العقارية وفقًا لقوتها المالية والائتمانية، لضمان شفافية أكبر في التعامل مع العملاء والممولين، ولخلق بيئة تنافسية قائمة على الكفاءة وليس فقط على التسعير.
رؤية مستقبلية للقطاع
واختتم راشد، مؤكدًا أن المرحلة المقبلة تتطلب من جميع المطورين تبنّي فكر مالي جديد يقوم على الاستدامة وليس الاندفاع، وأن الملاءة المالية هي حجر الأساس الذي يُبنى عليه استقرار القطاع، كما أن الملاءة المالية هي درع الأمان الحقيقي لأي مطور، والسيولة مهما كانت وفيرة تظل مؤقتة إن لم تسندها قاعدة أصولية قوية. السوق المصري في حاجة لإعادة هيكلة فكر التمويل العقاري بالكامل، ليصبح أكثر وعيًا، وأكثر استدامة، وأكثر جاهزية للمستقبل.