سيأتي اليوم الذي تتبدل فيه الملامح الثقيلة وتغسل السماء وجهها من غبار الحزن. سيأتي يوم يفاجئك فيه القدر بابتسامة من حيث لا تنتظرين، وتعود فيه الأشياء البسيطة لتدهشك كأنك ترينها لأول مرة. ستمطر فرح، ليس لأن العالم تغير ، بل لأنك أنتي من تغيرتي ، لأنك بدأتي ترين المعنى في التفاصيل التي كنتي تمرين عليها مرور العابرين.
ستمطر فرح حين تتصالحين مع الأيام التي أرهقتك، حين تتوقفين عن سؤال “لماذا؟” وتبدئين في قول “الحمد لله”. سيأتي المطر عندما تفهمين أن كل ما تأخر كان لحكمة، وأن كل من رحل كان ضرورة لتكملي الطريق خفيفة القلب. سيأتي المطر حين تدركين أن الألم لم يكن عدواً، بل معلماً صامتاً أراد أن يريكي كم أنتي قوية حين كنتي تظنين أنك أضعف ما يكون.
في تلك اللحظة التي تسلمين فيها أمرك لله تماماً، دون مقاومة أو خوف، سيتبدل الطقس في روحك. ستهدأ العاصفة، وتصفو السماء، وتشمين رائحة المطر قبل أن يسقط. الرضا هو أولى قطرات الفرح، والصبر هو البذرة التي تثمر نوراً.
ستدركين أن الله لم يكتب عليكي العتمة إلا ليريكي جمال النور، ولم يزرع في طريقك الشوك إلا ليعلمك كيف تختارين خطاكي سيحدث كل ذلك حين ترفعين رأسك للسماء وتقولين من أعماق قلبك: “أنا أثق بك يا رب”. تلك الثقة وحدها كفيلة بأن تغير مجرى القدر ومجري حياتك .
ستمطر فرح عندما تتوقفي عن ملاحقة ما يؤذيكي . عندما تختارين السلام على الصراع، والتسامح على الانتقام، والحب على الخوف. حينها فقط، سيفتح الله لك أبواباً لم تطرقيها ولم تفكري بها يوما ، وسيرسل لكي علامات صغيرة لتذكرك أنك ما زلتي في ستار رحمته. ربما في نغمة أغنية، أو ابتسامة عابر، أو حلم خفيف يزورك في ليلة هادئة.
ستكتشفين أن الفرح لا يأتي صاخباً كما كنتي تظنين، بل يأتي متخفياً في التفاصيل الصغيرة ،في فنجان قهوة يُصالحك مع يومك، في كتاب يُعيد ترتيب افكارك ، في كلمة طيبة تُدفئ قلبك. الفرح لا يحتاج مناسبة، بل يحتاج قلباً مستعداً لاستقباله.
وستعلمك الحياة أن لا شيء يدوم، لا الحزن ولا الخذلان، وأن الأيام مهما كانت ثقيلة ستمضي، وسيبقى ما زرعتيه من طيبة وعطاء يعود إليك بأشكال لا تتوقعينها. لا أحد يخرج من الألم كما دخل إليه، الجميع يتغير، لكن الجميل أن تخرجي منه أنقى، أصفى، وأكثر إيماناً بأنك محمية بحب سماوي لا يزول.
ستمطر فرح حين تتذكرين أنك ما زلتي قادرة على الحلم، على الضحك، على الحب، رغم كل ما حدث. ستمطر حين تسامحين قلبك لأنه خاف، وروحك لأنها تعبت، وتقررين أن تبدأي من جديد حتى لو لم يكن أحد بانتظارك. لأن البداية الحقيقية لا تحتاج جمهوراً، بل تحتاج صدقاً مع النفس.
حين تمطر، لا تختبئي. اخرجي كما أنتي ، دعِي البلل يلمس وجهك ، ويداعب خصلات شعرك ، فالمطر ليس ماءً فحسب، إنه طُهر يرجعك إلى نفسك الأولى. دعيه يبلل شعرك ويغسل ما تبقى من وجعك. ابتسمي، فذلك المطر الذي كنتي تدعين الله أن يُنزله على أرضك اليابسة، قد جاء أخيراً.
ستمطر فرح لأنك صبرتي دون أن تفقدي الإيمان. ستمطر لأن الله لا ينسى من قال “يا رب” بصدق ودمعة. ستمطر لأنك اخترتي النور رغم كل العتمة، ولأنك تعلمتي أن الفرح لا يُشترى، بل يُخلق من داخل الروح. ستمطر لأنك تستحقين، ولأن الله يُمهل القلوب الصافية ليغمرها بما هو أوسع من أحلامها.
فاطمئني يا أنثى الضوء ويابنت النور ، فبعد كل هذا الصبر، وبعد كل ما سقط منكي من دموع، ستمطر فرحًا… وسيكون الفرح هذه المرة، على مقاس قلبك بالضبط وتذكري دائما أنه مهما طال الليل لابد يطلع نهاراً.

