في قلب الدولة المزعومة التي تقدم نفسها للعالم باعتبارها الوطن القومي للشعب اليهودي، يتشكل اليوم شرخ داخلي عميق يضرب أساس الفكرة الصهيونية ذاتها “جيل يهودي بلا يهودية”، لو رأينا لقاءات كثيرة من الصهاينة في فلسطين المحتلة سنري أن كل منهم يصف نفسه انه “علماني” أو “كنت متدين”، فـ اصبح هذا الجيل لا يرى نفسه جزء من رواية توراتية، ولا يؤمن بهوية “الشعب المختار”، ولا ينتظر المسيح المنتظر، ولا حتى يفهم لماذا يجب أن يعيش في دولة تعيش على حافة الحرب، فـ عندما تشوب حرب داخلية نري الكثير منهم علي الطائرات إلي بلد أخر.
هذا التآكل الداخلي للهوية لا يقف وحده، بل يتقاطع مع حقيقة صادمة أخري لدى التيارات الدينية التقليدية أن إسرائيل نفسها تمثل خرق مباشر للعهود الثلاثة التي وردت في التلمود، والتي حرّمت على اليهود إقامة دولة أو خوض حرب أو التمرد على الأمم قبل المشيح، وهنا تتشكل مفارقة خطيرة جيل يهودي بلا يهودية .. ودولة بلا شرعية دينية.
ظهرت دراسات إسرائيلية أن قرابة 40% من الشباب اليهودي يعرفون أنفسهم بأنهم لا دينيون لا يمارسون أي شعائر، لا يؤمنون بوحي التوراة، ولا يشعرون بارتباط بالقصة التأسيسية التي بنت عليها الصهيونية مشروعها، جيل يري نفسه علماني أكثر، فردي أكثر من كونه جزء من شعب، متحرر من الروايات المقدسة، لا يعلم ماذا تعني له إسرائيل.
في المقابل تيار يهودي أكثر يهودية من الدولة “متطرف” يشرعن الموت والدمار وأن ما يفعله وعد الله له بـ الأرض الموعودة، التيار المتشدد، يرى أن اليهودية ليست مجرد هوية ثقافية، بل قانون إلهي صارم.
ومن ناحية أخري، تظهر العهود وهي: ألا يصعد اليهود إلى الأرض جماعيًا بالقوة – ألا يتمرّد اليهود على الأمم – عدم العودة من الشتات، المعنى الديني الواضح انه أي محاولة لإقامة دولة يهودية قبل “المشيح” تعتبر خيانة لعهد إلهي.
ومن هنا نري التناقض الذي يهدد إسرائيل، جيل جديد خرج من عباءة الدين، ودولة قامت أصلًا ضدّ نصوص ذلك الدين، وتيار متطرف يحتكر التفسير الديني ويهدد الدولة نفسها من الداخل،وتصبح إسرائيل أمام سؤال خطير الآن، إذا كان الدين يمنع إقامة دولة، والجيل الجديد لم يعد يرى نفسه يهودياً .. فمن يحمي هوية الدولة؟ ومن يعطيها شرعية في المستقبل؟.
قد تستطيع إسرائيل أن تخوض الحروب، لكنها لا تستطيع أن تخوض الحرب الأهم: الحرب على الفراغ الروحي الذي يبتلع مجتمعها، وهكذا تتشكل الصورة الكاملة: يهود بلا يهودية.. ودولة بلا عهد.
