📅
الاثنين
15 ديسمبر 2025
🕒 12:58 ص

NE

News Elementor

مونيكا وليم تكتب: توازنات القوى في الملف الأوكراني: بين الزخم الدبلوماسي وتعقيدات الجغرافيا السياسية

محتوي الخبر

تشهد الأزمة الأوكرانية مرحلة شديدة الحساسية، مع تزايد التحركات الأمريكية والروسية والأوكرانية للتوصل إلى إطار سياسي قد يمهد لمسار سلام طويل ومعقد. وتأتي محادثات فلوريدا، التي تجمع كبار مساعدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمسؤولين أوكرانيين، كحلقة جديدة في سلسلة لقاءات غير معلنة بدأت في جنيف، واتسمت بقدر كبير من التوتر خاصة بعد تسريب مسودة خطة سلام من 28 بنداً تمت صياغتها بمشاركة روسية مباشرة. هذه التحركات تطرح تساؤلات محورية: هل نشهد تحولاً جوهرياً في مسار الصراع؟ أم أن المشهد يظل محكوماً بتوازنات قوة معقدة تحدّ من فرص التوصل لاتفاق سريع؟.

فعلي صعيد إشكالية التحول الحقيقي تسعى إدارة ترامب بوضوح إلى إعادة ضبط مسار الحرب في أوكرانيا، مستندة إلى مشاورات رفيعة المستوى جرت بين واشنطن وكييف وموسكو، كان أبرزها اللقاء السري في ميامي بين مبعوثين أمريكيين وشخصيات روسية، بينهم كيريل دميترييف المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين. ورغم أن هذه المساعي تعكس رغبة أمريكية في بلورة خطة سلام قابلة للتطبيق، فإنها اصطدمت بقلق أوروبي ورفض داخل الكونجرس الأمريكي، لا سيما أن المسودة الأولى تضمنت تنازلات إقليمية واسعة لأوكرانيا، الأمر الذي أثار جدلاً حول مدى واقعية هذه المقاربة.

وتزامناً مع هذه الجهود، هزت كييف أزمة داخلية تمثلت في استقالة أندريه يرماك، كبير المفاوضين ورئيس ديوان زيلينسكي، في ظل تحقيقات فساد، وهو ما ألقى بظلاله على الموقف الأوكراني في المفاوضات. ومع ذلك، اكد الرئيس زيلينسكي أن المفاوضين يملكون “توجيهات واضحة”، في محاولة لطمأنة الحلفاء بشأن وحدة الموقف الداخلي.

غير أن المحفزات الدبلوماسية الحالية، مهما بلغت قوتها، لا تبدو كافية لإحداث اختراق جذري. فالتباينات بين الأطراف الرئيسية عميقة، ومن المرجّح أن تمثّل محادثات فلوريدا خطوة ضمن مسار أطول، ربما يقتصر في هذه المرحلة على بلورة خطوط عريضة وتأجيل القضايا الأكثر تعقيداً لجولات لاحقة.

وهو ما ينقلنا الي استقراء خطة ترامب ذات الـ28 بنداً التي خُفّضت لاحقاً إلى 19 بنداً محور النقاش الان. فقد نصّت المسودة الأولى على تثبيت الوضع الراهن، ما يعني عملياً اعترافاً أوكرانياً بضم روسيا لنحو 20٪ من الأراضي بما يشمل دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون وأجزاء من خاركيف. كما نصّت على تثبيت وضع شبه جزيرة القرم كأرض روسية بحكم الأمر الواقع، وتحديد حجم الجيش الأوكراني بـ600 ألف جندي، قبل أن يُرفع لاحقاً إلى 800 ألف بعد التعديل.

وتضمنت الخطة إنشاء مناطق عازلة في بعض الجبهات، وانسحاباً روسياً محدوداً من أجزاء من خاركيف مقابل انسحاب أوكراني من دونيتسك. لكن النسخة المعدلة حذفت البنود الأكثر حساسية المتعلقة بترسيم النفوذ الروسي، في محاولة لجعل المقترح اكثر قبولا.

إلا أن الإشكالية الكبرى تكمن في أن مسألة التنازل عن الأراضي تُعد من “الخطوط الحمراء” للرئيس زيلينسكي، الذي أكد أن مناقشتها لا تتم إلا على مستوى القمة، ما يعكس إدراك كييف لحساسية هذا الملف داخلياً وخارجياً.

لا يمكن فهم تشدد روسيا أو صعوبة التوصل لاتفاق دون إدراك أهمية المناطق محل النزاع. فالمناطق الخمس التي تسيطر عليها موسكو – القرم، خيرسون، زابوريجيا، دونيتسك، لوغانسك تتمتع بقيمة اقتصادية وجيوسياسية استثنائية إذ ان إقليم دونباس يضم احتياطيات ضخمة من الفحم وثروات زراعية واسعة.
و زابوريجيا ودونيتسك تحويان رواسب مهمة من الليثيوم والتيتانيوم والجرافيت، ويوجد حقل غاز صخري ضخم في دونيتسك، ما يعزز القيمة الاقتصادية.


وموانئ القرم، وعلى رأسها سيفاستوبول، تمنح روسيا قدرة استراتيجية في البحر الأسود وممرات التجارة الي جانب السيطرة على ماريوبول تضمن لروسيا ممرًا برياً متصلاً نحو القرم وبحر آزوف.

بالنسبة لموسكو، هذه المناطق ليست مجرد مكاسب مؤقتة، بل جزء من رؤية استراتيجية تعيد رسم حدود النفوذ الروسي وتحد من تمدد الناتو. لذلك، ترفض روسيا الانسحاب منها أو تقديم تنازلات تتعارض مع مكاسبها العسكرية.

وبناء علي ما تم سرده ما هي خيارات أوكرانيا بين الضغوط الداخلية والخارجية كونها تواجه كييف وضعاً داخلياً غير مستقر، يتزامن مع تراجع التأييد الشعبي لفكرة عدم التنازل عن الأراضي من 82٪ عام 2022 إلى 54٪ حالياً. كما تعاني البلاد من ضربات روسية مكثفة تستهدف الطاقة والبنية التحتية، الأمر الذي يفاقم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.

وعلي الصعيد الخارجي ، تواجه أوكرانيا تحديات كبيرة منها تهديد إدارة ترامب بوقف الدعم العسكري والاستخباراتي، وغموض المساعدات الأوروبية ووجود خلافات حول استخدام الأصول الروسية المجمدة والحاجة لضمانات أمنية أمريكية موثوقة قد تشمل وجوداً عسكرياً مباشراً ورغبة كييف في الحصول على مكاسب اقتصادية وتجارية من الولايات المتحدة.

هذه الضغوط قد تدفع أوكرانيا – ولو مرحلياً – إلى قبول صفقة تشمل اعترافاً محدوداً بالأمر الواقع في بعض المناطق مقابل ضمانات أمنية قوية.

وعليه يعكس المشهد الحالي، توازناً دقيقاً ومعقداً بالنظر الي ان روسيا تواصل إحراز مكاسب ميدانية تدريجية وتتبنى سياسة “التصعيد من أجل التفاوض”، من خلال ضربات ضد منشآت الطاقة الأوكرانية، مقابل هجمات أوكرانية في العمق الروسي مثل روستوف و أوكرانيا تعاني من ضغوط كبيرة وتحتاج إلى دعم غربي مستمر لمنع تآكل قدراتها العسكرية والولايات المتحدة تحاول بلورة اتفاق يحقق استقراراً سياسياً، في حين ان أوروبا تخشى أي اتفاق يؤدي إلى تغييرات حدودية بالقوة، خشية تكرار النموذج في مناطق أخرى.

ختاما على الرغم من الزخم الدبلوماسي اللافت، فإن فرص التوصل إلى اتفاق شامل في المدى القريب تبدو محدودة. فالفجوات بين الأطراف لا تزال واسعة، والجغرافيا السياسية تلعب دوراً مركزياً في تحديد حدود التسوية الممكنة. ما يمكن أن ينتج عن محادثات فلوريدا هو صياغة “خطوط عريضة” لخطة أمريكية معدلة، مع تأجيل القضايا الأكثر حساسية إلى مرحلة لاحقة، في إطار عملية تفاوضية طويلة قد تحدد مستقبل الأمن الأوروبي لسنوات قادمة.

“نيوز مصر” هو موقع إخباري مصري مستقل، يسعى إلى تقديم تغطية شاملة ومهنية لأهم الأخبار المحلية والعالمية، بمنظور مصري يعكس نبض الشارع واحتياجات المواطن.

تواصل معنا ..

تم تصميمه و تطويره بواسطة
www.enogeek.com
حقوق النشر محفوظة لـ نيوز مصر © 2025