د. محمد اليمني يكتب: بروكسل تشتعل.. أوروبا تجهّز أكبر خطة عسكرية لدعم أوكرانيا!

تقدير موقف: وزراء الدفاع الأوروبيون يبحثون خلال اجتماعهم في بروكسل الدعم العسكري لأوكرانيا

يشكّل اجتماع وزراء الدفاع الأوروبيين في بروكسل محطة مفصلية جديدة في إدارة الحرب الأوكرانية، خصوصاً في ظل تقلّبات الميدان، وتباطؤ الدعم الأمريكي، وتزايد الضغط الروسي على جبهات الشرق والجنوب. الاجتماع لم يكن روتينياً، بل جاء في وقت حساس يُعيد فيه الاتحاد الأوروبي رسم أولوياته الدفاعية ويختبر قدرته على سد الفجوة الاستراتيجية التي خلفها التردد الأمريكي.

أولاً: السياق العام للاجتماع

1ـ تصعيد روسي متزايد على جبهات دونيتسك وخاركيف، ومحاولات تقدم تكتيكي لإجبار كييف على تنازلات.

2- أزمة ذخيرة أوروبية مستمرة، مع فشل سابق في تحقيق هدف توريد مليون قذيفة لأوكرانيا خلال 2024.

3ـ غياب وضبابية الدور الأمريكي نتيجة انشغال واشنطن بملفات داخلية وانتخابات، ما يضع عبئاً إضافياً على أوروبا.

4ـ تخوّف أوروبي من توسع الحرب واحتمال انتقال الضغط الروسي ليطال دول البلطيق أو مولدوفا.

ثانياً: أهداف الأوروبيين من الاجتماع

1ـ تثبيت وحدة الصف الأوروبي

الاتحاد يخشى تآكل الإجماع داخل أوروبا، خاصة مع مواقف دول:

متحفظة (المجر، سلوفاكيا)

مترددة بسبب الضغوط الاقتصادية (إيطاليا، إسبانيا) الهدف هو إظهار جبهة موحدة أمام روسيا.

2ـ الاتفاق على إطار جديد لتسليح أوكرانيا

التركيز على:الدفاع الجوي (باتريوت، سامب-تي) الذخائر الثقيلة، دعم الصناعات الدفاعية الأوروبية لتسريع الإنتاج، تمويل متعدد السنوات لضمان تدفق ثابت للسلاح

3ـ حماية أمن أوروبا قبل دعم أوكرانيا

عواصم أوروبية (خاصة بولندا وألمانيا) ترى أن سقوط أوكرانيا سيجعل روسيا على حدود الناتو مباشرة، ما يحول الدعم العسكري من “خيار” إلى “ضرورة وجودية”.

ثالثاً: أهم القضايا التي نوقشت

1ـ مبادرة الدفاع الجوي الأوروبية
النقاش تركز على تشكيل “مظلّة دفاع جوي” بغرض: سد العجز الكبير الذي تعانيه كييف، منع روسيا من استخدام الضربات الجوية لإحداث اختراقات استراتيجية بعض الدول، مثل ألمانيا، دفعت بقوة لدعم مبادرة “درع السماء” الأوروبية.

2- التمويل الأوروبي المشترك

الاتحاد يناقش: زيادة تمويل “مرفق السلام الأوروبي”، إنشاء صندوق متعدد السنوات لدعم أوكرانيا عسكرياً، ربط الدعم العسكري بالقدرة الصناعية للدول الأوروبية

3ـ التصنيع داخل أوروبا
الاجتماع يضغط باتجاه:رفع الطاقة الإنتاجية للذخيرة, إنشاء خطوط إنتاج مشتركة، تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة في المعدات الحساسة.

رابعاً: تقدير الموقف

1ـ أوروبا تتحوّل من “داعم ثانوي” إلى “فاعل رئيسي” مع تراجع الدور الأمريكي، أوروبا مضطرة لإعادة صياغة هندسة أمنها. اجتماع بروكسل يعكس تحولاً استراتيجياً:
أوروبا أصبحت تقود ملف أوكرانيا بدلاً من الاكتفاء بدعم واشنطن.

2ـ الدعم المستقبلي لأوكرانيا سيكون أكثر تنظيماً واستدامة

القرارات تميل إلى: دعم طويل المدى، توريد منتظم، تمويل مشترك، خطط دفاعية ممتدة لعدة سنوات، وليس مجرد حزم مساعدات متفرقة.

3ـ صعوبات واقعية أمام الأوروبيين

رغم التفاؤل، هناك تحديات: نقص الذخيرة مقارنة بحاجة أوكرانيا اليومية، الخلافات السياسية داخل بعض الدول، الضغوط الاقتصادية والرأي العام المتعب من الحرب

4ـ روسيا ستراقب الاجتماع كإشارة سياسية, موسكو تعلم أن أي وحدة أوروبية تعقّد خططها في أوكرانيا، لذلك ستسعى إلى: ضرب التماسك الأوروبي إعلامياً وسياسياً، استغلال الدول المعارضة للدعم

خامساً: الخلاصة، يخرج الاجتماع برسالة واضحة: المعركة في أوكرانيا أصبحت اختباراً لصلابة الاتحاد الأوروبي وقدرته على حماية أمنه دون الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة.

الدعم العسكري سيستمر، وربما يتوسع، لكن أوروبا تدرك أن الوقت ليس في صالح كييف، وأن أي تأخير في إرسال السلاح قد يغيّر موازين القوة على الأرض.