📅
الثلاثاء
16 ديسمبر 2025
🕒 11:24 م

NE

News Elementor

د. محمد اليمني يكتب: حادث سيدني.. حين تتحول السياسات الإسرائيلية المتطرفة إلى خطر عالمي

محتوي الخبر

مقدمة: حين يصل الصدى إلى أطراف العالم

لم يكن حادث سيدني مجرد واقعة أمنية معزولة في مدينة بعيدة جغرافيًا عن بؤر الصراع في الشرق الأوسط، بل بدا – في توقيته، وسياقه، وسرعة تسييسه – كحلقة جديدة في سلسلة ارتدادات سياسية ونفسية وأمنية باتت تتجاوز حدود الجغرافيا التقليدية للصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. ما حدث في سيدني، بغضّ النظر عن تفاصيله الجنائية والقضائية التي تبقى من اختصاص السلطات الأسترالية، يجب أن يُقرأ سياسيًا كـ مؤشر إنذار مبكر على ما يمكن أن تؤول إليه البيئة الدولية في حال استمرار السياسات الإسرائيلية المتطرفة تجاه الفلسطينيين، دون أفق سياسي، ودون مساءلة، ودون إدراك لتداعيات هذا المسار على الاستقرار العالمي.

إن أخطر ما في حادث سيدني ليس عدد الضحايا أو موقع الحادث فحسب، بل سرعة تحويله إلى أداة خطابية تُستخدم لتكريس سردية واحدة، وتبرير سياسات قائمة، وإعادة إنتاج منطق “نحن الضحية الدائمة”، في وقتٍ يتسع فيه الشرخ بين الخطاب الرسمي الإسرائيلي والوعي العالمي المتنامي بطبيعة ما يجري في فلسطين.

أولًا: من الحدث الأمني إلى الرمز السياسي

في كل مرة يقع فيها حادث عنف في الغرب يمكن ربطه – ولو إعلاميًا – بالصراع في الشرق الأوسط، يتحول الحدث من كونه ملفًا أمنيًا محليًا إلى منصة سياسية دولية. وهذا بالضبط ما حدث في سيدني. فقبل أن تكتمل التحقيقات، وقبل أن تتضح الدوافع الحقيقية، سارع مسؤولون إسرائيليون ومؤسسات ضغط داعمة لإسرائيل إلى إدراجه ضمن خانة “معاداة السامية العالمية”، وربطه بشكل مباشر بالمقاومة الفلسطينية، بل وبإيران ومحور إقليمي كامل.

هذه السرعة ليست عفوية، بل تعكس حاجة سياسية ملحّة لدى الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تواجه أزمة شرعية دولية غير مسبوقة، وانقلابًا واسعًا في الرأي العام الغربي، خصوصًا بين الشباب والنخب الأكاديمية والإعلامية. وهنا يصبح أي حادث في الغرب فرصة لإعادة ضبط النقاش، ونقل مركزه من “ماذا تفعل إسرائيل بالفلسطينيين؟” إلى “اليهود مهددون في كل مكان”.

ثانيًا: تطرف السياسات الإسرائيلية… من الداخل إلى الخارج

لا يمكن فصل حادث سيدني – ولا غيره من حوادث التوتر المجتمعي المرتبطة بالصراع – عن طبيعة المرحلة السياسية التي تمر بها إسرائيل نفسها. فالحكومة الإسرائيلية الحالية تُعد الأكثر تطرفًا في تاريخ الكيان، من حيث:

تبنيها العلني لفكرة الضمّ.

شرعنتها غير المسبوقة للاستيطان.

استخدام القوة المفرطة في غزة والضفة.

تحويل العقاب الجماعي إلى سياسة رسمية.
تجريم أي تعاطف دولي مع الفلسطينيين.

هذه السياسات لا تبقى محصورة داخل الجغرافيا الفلسطينية، بل تُنتج مناخًا عالميًا مشحونًا، يتغذى على مشاعر الغضب، والظلم، والازدواجية الأخلاقية في تطبيق القانون الدولي. وحين يُسَدّ الأفق السياسي تمامًا أمام شعبٍ بأكمله، فإن ارتدادات هذا السدّ لا تتوقف عند حدود الضحية المباشرة.

ثالثًا: فشل إدارة الصراع… حين يتحول الظلم إلى بيئة توتر عالمية

لطالما رُوّج لفكرة أن الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي “محلي” ويمكن احتواؤه، لكن السنوات الأخيرة أثبتت عكس ذلك. فاستمرار الاحتلال، وتآكل حل الدولتين، وانعدام أي مسار سياسي جاد، جعل من القضية الفلسطينية جرحًا مفتوحًا في الضمير العالمي.

حادث سيدني – في هذا السياق – ليس دليلًا على “خطر الفلسطينيين” كما يحاول البعض تصويره، بل دليل على فشل إدارة الصراع. فحين يشعر ملايين البشر حول العالم أن القانون الدولي يُطبق بانتقائية، وأن الضحية تُطالب دائمًا بضبط النفس بينما يُكافأ الجلاد سياسيًا، فإن هذا يولد بيئات توتر قابلة للانفجار بأشكال مختلفة.

رابعًا: الخلط المتعمّد بين اليهودية والصهيونية

أحد أخطر التداعيات غير المباشرة للسياسات الإسرائيلية المتطرفة هو تعميق الخلط بين اليهود كجماعة دينية أو ثقافية، وبين الصهيونية كمشروع سياسي استعماري. هذا الخلط لا يخدم اليهود في العالم، بل يعرّضهم لمخاطر حقيقية.

إسرائيل، بإصرارها على احتكار تمثيل اليهود عالميًا، وبربطها أي انتقاد لسياساتها بتهمة “معاداة السامية”، تضع الجاليات اليهودية في الغرب في مرمى تداعيات قرارات لم يشاركوا في صنعها. وحادث سيدني، في هذا المعنى، يكشف فشل هذه المعادلة، لا نجاحها.

خامسًا: الغرب بين عقدة الذنب وواقع الانفجار

الغرب، وخصوصًا أوروبا وأستراليا، يعيش حالة تناقض حاد:

من جهة، إرث تاريخي ثقيل تجاه اليهود.

ومن جهة أخرى، وعي متزايد بالظلم الواقع على الفلسطينيين.

هذا التناقض يولد سياسات مرتبكة وخطابًا مزدوجًا، ومعايير غير متسقة. وحين تقع حوادث مثل سيدني، يتم اللجوء إلى الحل الأسهل: التشديد الأمني، وتكميم النقاش، وقمع الأصوات المتضامنة مع فلسطين، بدل معالجة الجذور السياسية للأزمة.

لكن هذه المقاربة لا تعالج المشكلة، بل تؤجلها وتراكمها.

سادسًا: من سيدني إلى ما بعدها… سيناريوهات مفتوحة

إذا استمرت السياسات الإسرائيلية الحالية دون تغيير، يمكن توقع:

1ـ تزايد التوترات المجتمعية في الدول الغربية.

2- تنامي الاستقطاب الحاد بين مؤيدي إسرائيل ومعارضيها.

3- تآكل مصداقية خطاب “القيم الغربية”.

4- تحول القضية الفلسطينية إلى عنصر دائم في النقاشات الأمنية الداخلية للدول البعيدة جغرافيًا عن الشرق الأوسط.

5- دفع الجاليات المختلفة ثمن سياسات لا علاقة لها بها.

حادث سيدني، في هذا الإطار، يبدو كبروفة أولى، لا كاستثناء.

سابعًا: المسؤولية الغائبة… من يحاسب السياسات لا النتائج؟

المفارقة الكبرى أن التركيز الإعلامي والسياسي ينصب دائمًا على نتائج الغضب، لا على أسبابه. يتم إدانة أي حادث فورًا (وهو أمر مشروع إنسانيًا)، لكن نادرًا ما يتم ربطه بالسياق الأكبر: الاحتلال، الحصار، التمييز، إنكار الحقوق.

إن استمرار هذا النهج يعني أن العالم يختار التعامل مع الأعراض، لا المرض.

خاتمة: إنذار لا يجب تجاهله

حادث سيدني ليس رسالة كراهية، بل رسالة تحذير. تحذير من أن الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، إذا استمر بلا حل عادل، سيظل يولد توترات تتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة، وتدخل عمق المجتمعات.

السياسات الإسرائيلية المتطرفة لا تهدد الفلسطينيين وحدهم، ولا حتى المنطقة وحدها، بل تضع العالم أمام مسار تصادمي طويل الأمد. وإن لم يُقرأ حادث سيدني كإنذار مبكر، فسيأتي ما هو أخطر، وفي أماكن أكثر حساسية.

العدالة ليست شعارًا أخلاقيًا، بل شرطًا للأمن. ومن دون عدالة للفلسطينيين، سيظل العالم يدفع أثمان صراعٍ يرفض البعض إنهاءه.

“نيوز مصر” هو موقع إخباري مصري مستقل، يسعى إلى تقديم تغطية شاملة ومهنية لأهم الأخبار المحلية والعالمية، بمنظور مصري يعكس نبض الشارع واحتياجات المواطن.

تواصل معنا ..

تم تصميمه و تطويره بواسطة
www.enogeek.com
حقوق النشر محفوظة لـ نيوز مصر © 2025