NE

News Elementor

إنجي بدوي تكتب: خرائط التفكك.. مصر في مواجهة الحقد الصهيوني

محتوي الخبر

في قلب الشرق الأوسط، حيث تتشابك الحدود والهوية والسياسة، تظل فكرة إعادة تقسيم الدول وإعادة رسم الخرائط إحدى الأدوات المركزية في المطامع الإسرائيلية، فإسرائيل لا تنظر إلى الدول المحيطة بها باعتبارها دولاً جارة، بل بوصفها مساحات وفرصًا استراتيجية لتنفيذ مخططاتها وفرض نفوذها على حساب الاستقرار الإقليمي، ومنذ أن احتلت واغتصبت أرض فلسطين وأعلنت نفسها دولة عام 1948، ظلت ترى نفسها كيانًا صغيرًا وسط دول الشرق الأوسط، بينما توجه الحقد الصهيوني عبر السنوات نحو مصر على وجه الخصوص؛ فإسرائيل ترى أنها لا شىء بجانب بمكانة مصر التاريخية، ومنذ فشلها في احتلال سيناء وحتى مساعيها لفرض هيمنتها الإقليمية.

بقيت القاهرة صاحبة الكلمة الأولى والأكثر تأثيرًا، لا أحد يستطيع أن يغلبها على طاولة المفاوضات أو يفرض إرادته عليها؛ فمصر تفعل ما تريد في الوقت الذي تريده، هذا التأثير خلق حالة من الغيرة لدى إسرائيل، ودفعها للبحث عن وسائل للضغط على مصر والسيطرة على محيطها، وإزاء فشلها عسكريًا أمام الجندي المصري، وفشلها في دعم جماعات إرهابية داخل الدولة أو إشعال انقسامات داخلية أو بناء شبكات تجسس داخل القاهرة، اتجهت إسرائيل إلى استخدام الحدود كأداة، عبر إشعال الأزمات في الدول المجاورة لمصر، لم يكن ذلك طرحًا نظريًا عابرًا، بل عبّر عنه صراحة بنيامين نتنياهو أمام الأمم المتحدة حين تحدث عن “شرق أوسط جديد”، في إشارة واضحة إلى نية إعادة ترتيب التحالفات واستغلال الانقسامات الداخلية بما يخدم المصالح الإسرائيلية.

ولو عدنا بالسنوات، سنجد أن الدول المحيطة بمصر التي توحدت بعد فترات من الانقسام أو الاستعمار، مثل اليمن وليبيا والسودان والصومال وغيرها أصبحت اليوم تحت المجهر الإسرائيلي، حيث تُعد مناطق صالحة للتأثير ومحاولات إعادة تشكيلها جغرافيًا وسياسيًا واستغلال الانقسامات الداخلية بما يخدم الرؤية الخبيثة لتل أبيب.

ويبقى السؤال هنا: عند تقسيم الدول أو تفكيكها، ما تأثير ذلك على مصر؟ وكيف يمكن أن يخدم إسرائيل؟

من ناحية اليمن، أصبح البحر الأحمر ومضيق باب المندب محورًا أمنيًا واستراتيجيًا شديد الأهمية بالنسبة لإسرائيل، باعتباره ممرًا يربط بين التجارة العالمية والطرق البحرية الحيوية ويمكن أن يؤثر مباشرة على قناة السويس. ورغم أن الذريعة الإسرائيلية أمام العالم هي “الحوثيون”، فإن المتغيرات المتزامنة في الإقليم مثل الاعتراف بصوماليلاند المطلة على البحر الأحمر والمقابلة لليمن تخلق بيئة أكثر تعقيدًا. فحدوث اضطراب في باب المندب يعني تهديدًا مباشرًا لقناة السويس، واستنزافًا اقتصادياً لمصر، بينما ستدّعي إسرائيل تضرر إيلات وتعطل تجارتها البحرية،وأن صواريخ الحوثيين تهدد أمنها، لتبرر تدخلًا عسكريًا مباشرًا أو عبر قوى أجنبية، مع استغلال وجودها المحتمل في صوماليلاند لمراقبة الملاحة البحرية، وهكذا تسعى إلى تصدر المشهد الإقليمي ومحاولة موازنة أو تهميش الدور المصري في البحر الأحمر وتقليص قدرتها على الانفراد به.

وننظر إلى ليبيا التي تُعد سور الحماية الغربي لمصر — فنجد أن سيناريوهات الانقسام، وانتشار الميليشيات، وتمدّد الاقتصاد الموازي والتهريب، إلى جانب أحداث الاغتيالات والصدامات بين الأجهزة، واحتجاجات المواطنين والقبائل، كلها عوامل تجعل ليبيا غارقة في موجات من الصراع الداخلي وغياب مؤسسات الدولة. وبذلك يتحول الوضع الليبي إلى تهديد مباشر للحدود الغربية المصرية، ويُرغم القاهرة على تكريس جزء كبير من جهودها ومواردها للأمن الحدودي والاستقرار الإقليمي غربًا. وهنا ترى إسرائيل أن انشغال مصر بحدودها الغربية يفتح لها مساحة للمناورة ومحاولة لعب دور سياسي موازي، أو التفكير في تمرير مخططات أخرى مثال علي ذلك التهجير.

ماذا تريد إسرائيل؟

منذ تأسيسها المزعوم، وجدت إسرائيل نفسها محاطة بدول أكبر عددًا وسكانًا وقوة بشرية، لذلك فضّلت وفق قراءات عديدة التعامل مع جيران منقسمين أو غارقين في صراعات داخلية بدلاً من كيانات موحدة قد تشكل تهديدًا مباشرًا لها وتبقى مصر أكبر تهديد استراتيجي لها، لأنها تمتلك أوراق قوة لا تمتلكها أي دولة عربية أخرى: أكبر جيش نظامي عربي، قناة السويس، موقعها الجغرافي كبوابة ربط بين قارات العالم، إضافة إلى نفوذها السياسي والدولي، لذلك لا ترغب تل أبيب في حرب مباشرة مع القاهرة، بل تريدها مشغولة بحدودها، محاصرة بتحديات إقليمية ومشاكل اقتصادية وأمنية، بينما تتفكك دول الإقليم من حولها، جزء منها أزمات حدودية، وآخر بحرية، بحيث تغرق البيئة الإقليمية المحيطة بمصر في دوامة انقسامات داخلية.

ورغم كل هذه المخططات التي تنبع من الحقد الصهيوني تجاه مصر، فإنها عبر التاريخ فشلت، وفي الوقت الراهن ستفشل، وحتى نهاية الزمن ستظل تفشل أمام القاهرة، وهذا لأسباب عديدة: أولها القيادة المصرية التي تمتلك انتماءً حقيقيًا للوطن وشعبه، بعيدًا عن الشعارات، وجندي مصري يقاتل بروح وعقيدة ودفاع عن الأرض، مقابل جندي صهيوني يفتقد الدافع والانتماء ويهرب من المعركة — كما كشفت الحروب السابقة، كما أن القيادة المصرية لا تكتفي بقراءة المشهد أو توقع الأحداث، بل تصنع مساراته وتحريك خيوطه على الساحة الدولية.

وثانيًا، يمتلك المصريون وعيًا عميقًا بطبيعة المخططات الصهيونية التي تستهدفهم، ويدركون جيدًا نوايا تل أبيب ومحاولات الضغط على مصر اقتصاديًا أو عبر سد إثيوبيا، وكان رد الشعب هو التفويض والثقة في القيادة ومؤسسات الدولة، والتأكيد على أن الحفاظ على الدولة خط أحمر، وأن المصريين يقفون خلف قيادتهم في مواجهة أعدائهم.

وثالثًا، قدرة مصر العسكرية باعتبارها صاحبة أكبر جيش نظامي عربي تجعل أي مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل مغامرة عالية المخاطر لن يقبل بها المجتمع الدولي بسهولة، إدراكًا لقيمة مصر التاريخية ودورها الإقليمي المحوري وتأثيرها على توازنات المنطقة، فـ المساس بـ مصر يعني قنبلة تنفجر في الشرق الأوسط بالكامل.

لقد أثبت التاريخ الحديث أن مصر كانت وستظل رمانة الميزان في الشرق الأوسط، فهي الدولة التي نجحت في حماية استقرار محيطها، وأوقفت مشاريع تفكيك إقليمي في أكثر من محطة، وقادت مبادرات تهدئة، واستضافت مفاوضات مصيرية، وكانت في لحظات مفصلية صوت العقل والاتزان أمام اندفاعات الصراع، ومن البحر الأحمر إلى غزة وليبيا والسودان والقرن الإفريقي، لم تكن القاهرة لاعبًا عابرًا، بل محورًا ترتكز عليه معادلات الأمن القومي العربي والإقليمي، ودولة إذا ضعفت اختلَّ الإقليم بأكمله، وإذا قويت استقرَّت المنطقة.

إن محاولات إسرائيل لاستغلال الانقسامات في دول الجوار ليست سوى امتداد لسياسة استراتيجية تهدف إلى محاصرة مصر وإشغالها بحدودها، غير أن التجربة تثبت أن الدولة المصرية بشعبها وجيشها وقيادتها ومكانتها التاريخية، قادرة على إفشال هذه المشاريع، والحفاظ على استقرارها ودورها الإقليمي، فمصر ليست مجرد دولة في الخريطة، بل بوابة توازن المنطقة، وخط الدفاع الأول عن بنيتها ووحدتها ومستقبلها.

“نيوز مصر” هو موقع إخباري مصري مستقل، يسعى إلى تقديم تغطية شاملة ومهنية لأهم الأخبار المحلية والعالمية، بمنظور مصري يعكس نبض الشارع واحتياجات المواطن.

تواصل معنا ..

تم تصميمه و تطويره بواسطة
www.enogeek.com
حقوق النشر محفوظة لـ نيوز مصر © 2025