ارتفعت أسعار الفضة في الأسواق المحلية خلال تعاملات الأربعاء، مدعومة باستقرار الأوقية في البورصات العالمية، رغم تراجعها الطفيف، وذلك عقب صدور بيانات التضخم الصناعي الأمريكي لشهر يونيو، والتي جاءت دون التوقعات، ما أبقى الضغط قائمًا على الدولار، وعزّز جاذبية المعادن غير المدرة للعائد.
وأفاد تقرير صادر عن مركز «الملاذ الآمن» Safe Haven Hub، أن سعر جرام الفضة عيار 800 ارتفع من 52 إلى 53 جنيهًا، في حين سجّل عيار 999 نحو 66 جنيهًا، وعيار 925 نحو 61 جنيهًا، بينما بلغ سعر الجنيه الفضة (عيار 925) قرابة 488 جنيهًا.
وعلى الصعيد العالمي، تراجعت الأوقية من 38.32 دولارًا إلى 37.65 دولارًا، في حركة تصحيحية طبيعية عقب اقتراب الأسعار من أعلى مستوى في 14 عامًا، والذي بلغ 39.13 دولارًا مطلع الأسبوع، مع اتجاه بعض المستثمرين لجني الأرباح.
تباين بيانات التضخم الأمريكي يُبقي الدولار تحت الضغط
وأظهرت بيانات مؤشر أسعار المنتجين الأمريكي تباطؤًا ملحوظًا في يونيو، إذ سجل المؤشر الرئيسي 0.0% شهريًا، مقابل توقعات بنمو 0.2%، وتراجع سنويًا إلى 2.3% مقابل 2.6% في مايو،كما جاء المؤشر الأساسي (باستثناء الغذاء والطاقة) دون التوقعات، مسجلًا 0.0% شهريًا و2.6% سنويًا.
ويأتي ذلك بعد صدور بيانات مؤشر أسعار المستهلكين أمس الثلاثاء، والتي أظهرت تطابق التضخم العام مع التوقعات، في حين جاء التضخم الأساسي أقل قليلًا، وقد قلل هذا المزيج من البيانات من فرص خفض الفائدة قريبًا، ما أضعف الدولار نسبيًا، وعزز الطلب على الأصول التحوطية، مثل الفضة.
طلب صناعي متصاعد وفجوة متزايدة في المعروض
تشهد الفضة موجة صعود قوية منذ أبريل، بدعم من عوامل متداخلة أبرزها، تصاعد التوترات التجارية، وفرض رسوم جمركية أمريكية جديدة، ونقص المعروض في الأسواق الرئيسية، بالإضافة إلى ارتفاع الفائدة العالمية وتقلّص السيولة في أسواق المعادن مثل بورصة لندن.
وأظهر تقرير صادر عن معهد الفضة العالمي أن الاستثمارات في صناديق المؤشرات المدعومة بالفضة تجاوزت 1.13 مليار أوقية حتى نهاية يونيو 2025، مع تدفقات صافية بلغت 95 مليون أوقية خلال النصف الأول من العام، متجاوزة استثمارات العام الماضي بالكامل.
كما توقّع المعهد أن يصل الطلب الصناعي إلى 677.4 مليون أوقية خلال 2025، مدفوعًا بارتفاع الطلب على الفضة في الصناعات الخضراء، خاصة الألواح الشمسية والتطبيقات الكهروضوئية، في ظل نمو متسارع لمشروعات الطاقة النظيفة عالميًا.
العجز في المعروض مستمر للعام الخامس
رغم ارتفاع الطلب، تواجه السوق نقصًا حادًا في المعروض، وسط اضطرابات إنتاجية في دول رئيسية مثل المكسيك وروسيا، وتراجع الإنتاج من المناجم الأساسية، ما يجعل السوق تعتمد بنسبة تفوق 70% على الفضة الثانوية المُستخرجة كمنتج جانبي من معادن أخرى.
ويُقدّر العجز في المعروض خلال 2024 بـ182 مليون أوقية، مع توقعات بإضافة عجز آخر يبلغ 117.6 مليون أوقية في 2025، وسط تراجع المخزونات المتاحة فوق الأرض إلى مستويات حرجة، تزامنًا مع ارتفاع “علاوات الفضة” في السوق الأمريكية.
السوق تستعد لاختبار مستوى 50 دولارًا للأوقية
بعد اختراق مستوى 35 دولارًا في يونيو، يرى محللون أن الفضة باتت في طريقها لاختبار مستوى 50 دولارًا خلال المدى القريب، مدفوعة بزخم قوي في الطلب الاستثماري وانخفاض الكميات المتاحة للبيع، والتي لا تتجاوز 155 مليون أوقية.
وتوقّع محللو بنك «سيتي» أن تواصل الفضة صعودها خلال الأشهر الـ12 المقبلة، مرجحين أن تُلامس 40 دولارًا، وقد ترتفع إلى 46 دولارًا بحلول الربع الثالث من 2025، مع استمرار التوترات التجارية وتصاعد الطلب الصناعي.
أساسيات السوق تدعم استمرار الارتفاع
لا تزال الفضة تُعد مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية، إذ تشير نسبة الذهب إلى الفضة — البالغة حاليًا 87.3 — إلى انحراف كبير عن المتوسط التاريخي البالغ 53، وفي حال العودة إلى هذا المتوسط دون تغير في سعر الذهب، فإن قيمة الفضة يجب أن تبلغ نحو 63.30 دولارًا، أي ما يعادل زيادة بنسبة 65%.
وبحسب بيانات تاريخية معدّلة وفق التضخم، فإن ذروة أسعار الفضة في عام 1980 تعادل نحو 197 دولارًا في الوقت الراهن، وبلغت 71 دولارًا في موجة الصعود عام 2011، ما يشير إلى هامش صعود كبير من المستويات الحالية البالغة 38.40 دولارًا للأوقية.
تضخم المراكز البيعية… وخطر الضغط العكسي
رغم الصعود، لا تزال السوق تتأثر بالمراكز البيعية المكثفة من قبل بنوك الاستثمار العالمية، حيث بلغت المراكز القصيرة في عقود الفضة الآجلة نحو 52,324 عقدًا، تعادل 262 مليون أوقية — أي ما يقارب ثلث الإنتاج العالمي السنوي.
ويُعد الكثير من هذه العقود غير مغطى فعليًا (فضة ورقية)، وهو ما يهدد بحدوث “ضغط بيع عكسي” ، قد يُجبر المستثمرين على تغطية مراكزهم بسرعة مع استمرار الارتفاع، مما يُعزز مكاسب إضافية حادة.
ويزداد هذا الخطر في ظل النسبة المرتفعة بين الفضة الورقية إلى الفعلية، حيث تشير التقديرات إلى وجود 375 أوقية من الفضة الورقية مقابل كل أوقية فعلية متاحة، وهو ما يُهدد بانفجار سعري محتمل في حال حدث طلب فعلي واسع على المعدن.
الطلب الآسيوي يدعم السوق
سجلت واردات الهند من الفضة خلال يونيو 2025 نحو 197 طنًا، بزيادة 81% مقارنة بالشهر ذاته من 2024، لكنها تبقى أقل من واردات مايو البالغة 544 طنًا، ما يعكس تباطؤًا نسبيًا بعد ذروة شراء غير مسبوقة.
الفضة تعيد تشكيل مكانتها كأصل استراتيجي
في ظل هذه التطورات، تجمع الفضة بين خصائص التحوط من المخاطر وأهميتها الصناعية المتزايدة، لتُثبت أنها ليست مجرد معدن نفيس، بل أصل استراتيجي يعيد تشكيل موقعه في الأسواق العالمية، مرشحة لتكون مفاجأة النصف الثاني من 2025، وربما لتتفوق على الذهب في الأداء.