يشهد السودان في السنوات الأخيرة تطورات سياسية وأمنية خطيرة، تنذر بتداعيات جسيمة ليس فقط على وحدة السودان، بل على الأمن القومي المصري، واستقرار دول الجوار مثل ليبيا وتشاد، والقرن الإفريقي بوجه عام. وفي ظل الحديث المتصاعد عن إمكانية تقسيم السودان إلى ثلاثة أقاليم، أحدها تحت قيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، والثاني تحت سيطرة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، والثالث بقيادة عبد العزيز الحلو، تُطرح تساؤلات مقلقة بشأن مستقبل الإقليم برمّته، ودور القوى الدولية في دفع السودان نحو التفتيت ضمن مخططات استعمارية جديدة تستهدف تمزيق المنطقة.
أولًا: أبعاد تقسيم السودان وتوزيع القوى
البرهان يسيطر على الجيش النظامي، ويمثل جناح الدولة المركزية التقليدية في الخرطوم.
حميدتي يقود قوات الدعم السريع، وهي مليشيا قوية تمكّنت من السيطرة على مساحات شاسعة وتقوم بأدوار موازية للمؤسسة العسكرية.
عبد العزيز الحلو يمثل القوى المتمردة في جبال النوبة والنيل الأزرق، وله مطالب واضحة بالانفصال أو الحكم الذاتي العلماني الكامل.
إذا تحقق هذا السيناريو، فإن السودان سيتحول إلى ثلاث دول متناحرة ذات ولاءات متباينة، مما يجعل من أرضه ساحة صراع دائم وتدخل خارجي مفتوح.
ثانيًا: التأثير على الأمن القومي المصري
1. التهديد المباشر لحدود مصر الجنوبية
تقسيم السودان يفتح المجال لظهور كيانات غير مستقرة على الحدود مع مصر، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، ويخلق فراغًا أمنيًا قد تستغله الجماعات المتطرفة والمرتزقة.
2. أزمة سد النهضة وتعقيد التفاوض
وحدة السودان كانت ركيزة في التنسيق الثلاثي مع مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة. ومع تفتيت السودان، تتلاشى هذه الجبهة، وتُصبح إثيوبيا أكثر قدرة على فرض شروطها.
3. الهجرات الجماعية وتدفق اللاجئين
تقسيم السودان قد يؤدي إلى موجات هائلة من النزوح باتجاه مصر، ما يزيد الضغوط الاقتصادية والأمنية على الدولة المصرية.
ثالثًا: الانعكاسات على ليبيا ودول الجوار
ليبيا: الصراع في السودان يعيد إنتاج سيناريو المليشيات في ليبيا، ويتيح تهريب السلاح والمقاتلين عبر الحدود، مما يعقّد مسار التسوية الليبية.
تشاد وأفريقيا الوسطى: مزيد من عدم الاستقرار في دارفور قد يمتد إلى غرب أفريقيا، ويهدد الهشاشة الأمنية في تلك الدول.
القرن الإفريقي: خلق “دولة الحلو” المحتملة ذات الطابع العلماني أو حتى المرتبط بإثيوبيا، قد يخدم أجندات تقسيمية إقليمية طويلة الأمد.
رابعًا: ما يُحاك من مخططات دولية استعمارية
ما يجري ليس صراعًا داخليًا فحسب، بل يُدار على أيدي أطراف دولية تسعى إلى:
تحويل السودان إلى دولة فاشلة لتسهيل السيطرة على موارده الزراعية والمعدنية، خاصة الذهب.
إنشاء قواعد عسكرية أو نقاط نفوذ على البحر الأحمر (بورتسودان)، مما يُهدد الأمن الملاحي المصري والعربي.
قطع العمق الاستراتيجي لمصر في جنوب الوادي، وهو هدف تاريخي للقوى الاستعمارية منذ أيام الاحتلال البريطاني.
خامسًا: التحديات التي تواجه المنطقة
انعدام الإرادة الدولية الحقيقية لحل الأزمة السودانية.
تغذية الصراع بالأسلحة من أطراف إقليمية ودولية.
تغييب دور المنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي.
الفراغ السياسي الداخلي في السودان وغياب قيادة موحدة.
سادسًا: أنسب المقترحات لمواجهة هذه المخططات
1. مبادرة مصرية-إفريقية عاجلة لتوحيد السودان ووقف الحرب من خلال حوار شامل لا يُقصي أحدًا.
2. دعم سيادي لمؤسسات الدولة السودانية الموحدة، ونزع الشرعية عن الكيانات الانفصالية أو المسلحة.
3. تحرك دبلوماسي مصري في مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي لتحذير المجتمع الدولي من عواقب التقسيم.
4. إنشاء قوة حفظ سلام عربية – إفريقية مشتركة للفصل بين المتحاربين.
5. توعية الشعوب العربية والإفريقية بخطورة مشاريع التفتيت تحت شعارات الديمقراطية أو حقوق الأقليات.
6. تشجيع المصالحة بين مكونات الشعب السوداني، على أساس العدالة وعدم الإقصاء.
تقسيم السودان ليس مجرد شأن داخلي، بل مؤامرة كبرى تستهدف تفكيك المنطقة بأسرها، من النيل إلى المتوسط. ومصر، بحكم الجغرافيا والتاريخ، معنية بكل تفاصيل هذا الملف. وإذا لم تُبادر القوى الإقليمية — وعلى رأسها مصر — إلى التصدي لتلك المخططات بحزم، فإن النيران ستتجاوز حدود السودان لتطال المنطقة بأكملها، وتعيدنا إلى مربع الاستعمار والتبعية