الصمت الأسري يتجاوز حدود الإعراض عن الحديث أو تجنب الكلام إلى ما هو أبعد من ذلك حيث غياب التفاهم والحوار البناء وغياب التواصل الفعال أيضا , وهو خطر يهدد الأسرة حيث تضعف الروابط بين أفرادها وتكثر الخلافات وتفتقد الأسرة لسمة من اهم سماتها وهي الأمن والاستقرار.
أما عن أسباب الصمت الأسري فعلى رأسها تأتي المشاعر السلبية المكبوتة كالخوف من النقد أو الخوف من رد الفعل العنيف أو الخوف من السخرية والتهكم وأحيانا الخوف من التعرض لأذى جسدي , ومنها الغضب الذي يعجز الإنسان عن التصريح به لأسباب معينة كتجنب تبعات التعبير عنه والتي لا يفضلها الغاضب فيضطر لكبت الغضب وتجنب الحديث مع الطرف الآخر حتى لا تتفاقم المشكلة , ومنها تراكم المشكلات بدون حل واللجوء دائما في فترات سابقة لحل المشكلات بتسكينها وليس بعلاجها من جذورها , وقد يكون الشعور بالخجل أو الشعور بالنقص لدى أي من الطرفين هو المانع للإنخراط في حوارات أسرية أو تواصل أسري فعال.
ومن أسباب الصمت الأسري أيضا ضعف القدرة على إجراء تواصل فعال وغالبا ما ترجع الأسباب من هذا النوع لظروف التنشئة الأسرية , حيث إن أحد الزوجين قد يعاني من ضعف في قدرته على التعبير عن مشاعره او أن يستمع بفعالية للآخرين أو أن يدير حوارا أو أن يحل مشكلة, وقد يكون السبب في ضعف التواصل أن أحد الزوجين قد تعلم انماطا سلبية للتواصل كالعدوان أو اللجوء للصمت كأسلوب عقابي أو غير ذلك , وقد تكون هناك مشكلات أخرى تعوق عملية التواصل الفعال ككثرة النقد والسخرية والتهكم وتصيد الأخطاء وإجراء المقارنات بصفة دائمة.
وقد يكون الصمت الأسري راجعا لعوامل اجتماعية ونفسية كالعادات والتقاليد الخاطئة أو الانشغال الزائد بمتطلبات الحياة المادية أو التركيز على المظهر والسعي للمثالية الزائدة وقد يكون بسبب معاناة أحد الطرفين من القلق أو الاكتئاب أو الألكسيثيميا أو عجز التعبير الانفعالي وقد يكون بسبب تكرار الخلافات الأسرية دون حل أو انعدام المرونة في التعامل بين أفراد الأسرة والتمسك بالعناد لإثبات الذات وقد يكون بسبب عدم رضا أحد الطرفين عن ظروف معينة تعيشها الأسرة أو عن سمة من سمات الطرف الآخر أو غير ذلك من الأسباب الكثيرة التي تكدر صفو الأسرة وتعوق عملية التواصل بين أفرادها.
أما عن أثر هذا الصمت الأسري على الأسرة فهناك العديد من الآثار الخطيرة التي يتركها على كل فرد من أفراد الأسرة حيث قد يؤدي إلى إصابة بعض أفراد الأسرة بأمراض نفسية نتيجة تراكم الضغوط وفقدان شبكة الدعم الاجتماعي الأساسية المتمثلة في الأسرة وكذلك قد يتحول الأمر إلى أمراض جسدية كأمراض الضغط والسكر والقلب كما أنه قد يؤثر على علاقات الفرد خارج نطاق الأسرة فتكثر المشكلات في بيئة العمل وفي تعاملات الفرد اليومية كما أن اللجوء للإدمان بأنواعه المختلفة يعتبر من أهم وأخطر الأسباب لأنه خطره يتعدى التأثير على الفرد فقط إلى التأثير على الأسرة والمجتمع هذا فضلا عن أن لصمت الأسري قد يقود الفرد لإلحاق الضرر بنفسه أو بالآخرين بأي صورة من الصور.
وعلى مستوى الأسرة يؤدي الصمت الأسري إلى مزيد من التفكك وفقدان الهوية وفقدان الروابط العاطفية وكثرة المشكلات وتفاقمها وتطور ونمو السلوك العدواني داخل الأسرة ثم في النهاية انهيار الأسرة.
لذلك لابد من إغلاق باب الشر الكبير هذا والبداية من عند الأسرة بلا شك فلابد من العمل على استعادة الهدوء والاستقرار الأسري والعمل على أن يكون للأسرة لقاءات دائمة يتحاورون فيها بلا قيود وبدون أي نقد أو تجريح أو تصيد للأخطاء يتحدث الجميع بحرية ويستمعون لبعضهم البعض بدون توجيه أي نقد أو لوم أو عتاب , إذ لابد من عودة جلوس الأسرة على مائدة الطعام مجتمعين مرة أخرى ولو مرة كل أسبوع ولابد من العمل على أن يكون أفراد الأسرة مصدر الثقة والأمان بالنسبة لبعضهم البعض لأن من نام عن غنمه رعتها له الذئاب.