📅
الاثنين
15 ديسمبر 2025
🕒 01:09 ص

NE

News Elementor

د. محمد اليمني يكتب: فنزويلا على صفيح ساخن.. التصعيد الأميركي وأبعاد النفوذ الدولي

محتوي الخبر

فنزويلا اليوم، رغم امتلاكها أحد أكبر الاحتياطيات النفطية في العالم — تقع في واحدة من أخطر الأزمات الاقتصادية والسياسية في تاريخ أميركا اللاتينية. تعيش انهياراً اقتصاديّاً، أزمة اجتماعية، هجرة جماعية، وإضعافاً لمؤسسات الدولة. في المقابل، تتزايد ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية على نظام الرئيس نيكولاس مادورو بشكل نشط — ليس فقط عبر عقوبات، بل عسكرياً وقانونياً. لذلك أصبح فهم دوافع واشنطن، وحسابات كراكاس الداخلية، وتحالفات فنزويلا الخارجية أمراً حاسماً لتقدير المسار المستقبلي.

1-جذور الأزمة: اقتصاد النفـط والفساد وسوء الإدارة

الاعتماد شبه الكلي على النفط
فنزويلا تعتمد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات — أكثر من 90% من عائدات التصدير.
هذا الاعتماد المفرط جعل الاقتصاد هشاً جدًا تجاه تذبذب أسعار النفط العالمية. فعندما انهارت أسعار النفط وعمليات الإنتاج رهنت بصيانة ضعيفة، انهار دخل الدولة.

-الفساد وسوء الإدارة
مؤسسات الدولة، لا سيما شركة النفط الوطنية (PDVSA)، تعرّضت لسوء إدارة، فساد، تهريب، تسييس الموارد، وانهيار تدريجي للبنية التحتية.
رغم امتلاك فنزويلا لثروات طبيعية هائلة، تحوّلت هذه الثروات إلى عبء، بسبب الهدر وسوء التوزيع وعدم تنويع الاقتصاد.

-انهيار اجتماعي وبشري
تراجع حاد في الناتج المحلي الإجمالي، تضخم القيم، انهيار الخدمات العامة (صحة، تعليم، مياه، صرف صحي)، تفشي الفقر.
هجرة جماعية: آلاف الفنزويليين غادروا البلاد بحثاً عن فرص وبداية حياة جديدة خارج وطنهم.

2- التحولات السياسية والسلطوية: كيف تعمّقت الأزمة من الداخل

منذ عهد الرئيس هوغو تشافيز ثم تحت مادورو، ارتفع تسييس الدولة: رأس المال النفطي استُخدِم لتكريس الولاءات السياسية — داخل الجيش، بين الأوساط الأمنية، وضمن النخبة الحاكمة. هذا ألحق أضرارًا بالجهاز الإنتاجي والمهني، وقاد إلى هجرة المواهب والخبرات.

الأصوات المعارضة واجهت قمعاً، واتهامات بالخيانة أحياناً، خاصة أولئك الذين أعلنوا تأييد تدخل خارجي أو إعادة هيكلة جذرية للنظام.

العجز عن تنويع الاقتصاد أو إصلاح مؤسسات الدولة يعني أن أي صدمة — انخفاض أسعار نفط، عقوبات، أو هروب أصول — تؤثر بعمق على المجتمع والبنية الاقتصادية.

بحسب دراسة حديثة، أزمة فنزويلا المعاصرة هي جزء من “ثلاث كوارث اقتصادية” مرّت بها البلاد منذ الاستقلال: كل منها وقع عندما تفاقمت الصراعات بين طبقات ونخبة داخلية، واستُنزفت الموارد دون بناء مؤسسات معزّزة للنمو أو العدالة.

3- التحالفات الدولية: نفوذ روسيا، الصين، وحتى محور أوسع

في ظل العزلة الغربية، لجأت فنزويلا إلى دول مثل روسيا والصين (وأحيانًا علاقات مع إيران) لتعزيز اقتصادية ونفطية وربما أمنية.

هذا التحالف يعطي مادورو نوعاً من “غطاء دولي” يتيح له الصمود أمام الضغوط الغربية، ويجعل فنزويلا ساحة في صراع جيوسياسي أوسع (بين الغرب وشرق ناهض).

لكن قدرة هذه التحالفات على حماية فنزويلا محدودة: الاقتصاد لا يزال متهالكاً، والبنية التحتية متهدمة، والاعتماد على نفط كثيف الثقيل يتطلب استثمارات ضخمة لإعادة تأهيل القطاع — وهو أمر صعب في ظل حصار، نقص رأس المال، وعزلة مؤسساتية.

4- الصدام الحالي: لماذا تصعد الولايات المتحدة ضغوطها الآن؟
-ما فعلته واشنطن
في 2025، قررت إدارة دونالد ترامب إطلاق “مرحلة جديدة” من العمليات تجاه فنزويلا: نشر أسطول بحري في الكاريبي، تحركات عسكرية واسعة، وربما ضربات أرضية محتملة.

الولايات المتحدة تصنّف جماعات مثل Tren de Aragua (عصابة — بحسب واشنطن) كـ«منظمة إرهابية/عصابة مخدرات»، وتستخدم ذلك ذريعة لتبرير تدخلات عسكرية ضد ما تزعم أنها تهريب مخدرات عبر فنزويلا.

في الوقت ذاته، واشنطن تضغط قانونياً على أصول فنزويلية في الخارج — كما في قضية أسهم Citgo المرتبطة بـ PDVSA — في سبيل حرمان النظام من موارد نقدية وسوق خارجية.

ـ دوافع أعمق من مجرد المخدرات

من منظور واشنطن، فنزويلا اليوم ليست فقط قضية داخلية أو قضية فساد/جريمة — بل مسرح لصراع جيوسياسي: البلد أصبح ممثلاً لمشروع معادٍ لهيمنة أميركا في نصف الكرة الغربي، ويتحالف مع روسيا والصين ضمن شبكة دعم عابرة للقارات.

السيطرة على النفط الفنزويلي أو على عقود تصدير النفط — أو التأثير عليها — تمثل قيمة إستراتيجية كبرى. عندما تنهار صادرات فنزويلية أو تُقيّد، يُضعف ذلك قدرة النظام على التمويل، ويحرم حلفاءه من مصادر عائدات محتملة.

الضغوط العسكرية، القانونية، الاقتصادية تُستخدم ك أدوات ضغط متعددة الأوجه: ليس فقط لعقاب النظام، بل لخلق بيئة تأهب، زرع الشك والخلاف داخل المؤسسة الحاكمة، وربما دفع أطراف داخلية نحو الانشقاق.

5- القدرة الدفاعية لفنزويلا وواقع الصمود — حدود وحوافز

قوة جيش فنزويلا حالياً محدودة: المعدات قديمة، الرواتب متدنية، تجربة القوات الحقيقية محصورة غالباً في قمع احتجاجات، وليس خوض حروب عسكرية حقيقية.

في حال هجوم أميركي بري أو جوي، المصادر تشير إلى أن مقاومة النظام ستكون في شكل حرب عصابات أو مقاومة غير نظامية، باستخدام الميليشيات أو تنظيمات شبه عسكرية.

لكن في المقابل، فإن الانهيار الاقتصادي والضغوط الشعبية واللجوء إلى الحلفاء الخارجيين تضعف قدرة البلاد على تحمّل حرب طويلة.

6- السيناريوهات المحتملة في 2025–2026

إليك أبرز السيناريوهات المرتقبة، بناءً على المعطيات الحالية:
السيناريو ملامحه العوامل الحاسمة
أ. حصار وضغط + مساومة استمرار العقوبات والضغوط العسكرية + دعوات لمفاوضات لإصلاح سياسي داخلي أو انتخابات — دون تدخل عسكري مباشر. نفاد موارد النظام، ضغوط داخلية، استعداد بعض الأطراف للتفاوض إذا بُنيت ضمانات دولية.

ب. تدخل عسكري محدود / ضربات إستراتيجية ضربات على زوارق/شحنات تهريب، ضربات جوية/بحرية استهداف مواقع محددة — دون غزو شامل. تبريرات «مكافحة مخدرات»، دعم حلفاء أميركيين، تراجع التطرف في الكونغرس ضد استخدام القوة.

ج. انقلاب داخلي أو انشقاق في المؤسسة العسكرية ضغط اقتصادي + إغراءات حوافز مالية أو أمنية لبعض العناصر العسكرية أو السياسية مقابل تغييرات داخلية أو انتقال سلمي للسلطة. ضعف الولاء، انشقاقات داخل الجيش أو النخبة، عرض غربي أو دولي لضمانات.

د. صمود النظام + تكثيف الشراكة مع روسيا/الصين كوكبة من العقوبات + تضييق على النفط + دعم خارجي واسع — النظام يصمد عبر قنوات بديلة. التزام روسي/صيني بإمداد نفط، تمويل وقروض، دعم دبلوماسي.

7- التوصيات — إذا أردت متابعة أو تقيم موقف سياسي / صحفي / استراتيجي

1-راقب دقة بيانات إنتاج وتصدير النفط: انتعاش أو تراجع الإمدادات الفنزويلية إلى الأسواق (خصوصاً آسيا) مؤشر حساس على مدى نجاح النظام في الالتفاف على العقوبات والضغوط.

2- حلل تحركات الأسطول الأميركي في الكاريبي: كمية السفن، مواقع الانتشار، والطائرات العاملة تعطينا مؤشراً على نية واشنطن — هل هي مجرد ضغط أم تحضير لتدخل؟

3- تابع مؤشرات داخلية: تهريب، عصابات، اقتصاد مواز، لجوء جماعي — هذه العوامل قد تؤثر على استقرار النظام من الأساس.

4-راقب مواقف الحلفاء (روسيا، الصين، بلدان أميركا اللاتينية): الدعم السياسي أو الاقتصادي أو العسكري لمحور مادورو قد يغيّر المعادلة، أو على الأقل يطيل الصمود.

5ـافهم الدينامية بين الإصلاح والانسداد: أي محاولة تفاوضية أو إصلاحية داخل البلاد ينبغي أن ترافق ضمانات حقيقية — ليس مجرد وعود — لتكون ذات قيمة.

8- الخلاصة

فنزويلا في 2025 ليست فقط مثالاً على دولة نفطية هشة، بل هي أيضاً ساحة لصراع مصالح إقليمي ودولي. انهيار الاقتصاد والفساد أضعفا داخلياً، بينما تحالف مع قوى كبرى منح النظام قدرة على الصمود. التصعيد الأميركي الحالي يظهر أنه ليس مجرد حرب على المخدرات أو مصلحة مؤقتة، بل جزء من استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل النفوذ في نصف الكرة الغربي، واستعادة ما يُنظر إليه كهيمنة. في مثل هذا السياق، ليس هناك حل سحري — لا عقوبات فقط، ولا دعم خارجي فقط — بل مزيج من الضغوط، التفاوض، الشفافية، وتحفيز تغيير داخلي حقيقي.

“نيوز مصر” هو موقع إخباري مصري مستقل، يسعى إلى تقديم تغطية شاملة ومهنية لأهم الأخبار المحلية والعالمية، بمنظور مصري يعكس نبض الشارع واحتياجات المواطن.

تواصل معنا ..

تم تصميمه و تطويره بواسطة
www.enogeek.com
حقوق النشر محفوظة لـ نيوز مصر © 2025